سورة الزمر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْل} القرآن، {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} قال السدي: أحسن ما يؤمرون فيعملون به. وقيل: هو أن الله تعالى ذكر في القرآن الانتصار من الظالم وذكر العفو، والعفو أحسن الأمرين. وقيل: ذكر العزائم والرخص فيتبعون الأحسن وهو العزائم. وقيل: يستمعون القرآن وغير القرآن فيتبعون القرآن.
وقال عطاء عن ابن عباس: آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا، فنزلت فيهم: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} وكله حسن. {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ}.
وقال ابن زيد: نزلت: {والذين اجتنبوا الطاغوت} الآيتان، في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلا الله: زيد بن عمرو بن نفيل، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي. والأحسن: قول لا إله إلا الله.
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: من سبق في علم الله أنه من أهل النار. وقيل: كلمة العذاب قوله: {لأملأن جهنم}، وقيل: قوله: «هؤلاء في النار ولا أبالي». {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} أي: لا تقدر عليه. قال ابن عباس: يريد أبا لهب وولده.
{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} أي: منازل في الجنة رفيعة، وفوقها منازل أرفع منها، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} أي: وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدًا لا يخلفه.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني عبد العزيز بن عبد الله، حدثني مالك عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم»، قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: «بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين».


قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ} أدخل ذلك الماء، {يَنَابِيعَ} عيونًا وركايا {فِي الأرْضِ} قال الشعبي: كل ماء في الأرض فمن السماء نزل، {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ} أي: بالماء {زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} أحمر وأصفر وأخضر، {ثُمَّ يَهِيجُ} ييبس {فَتَرَاه} بعد خضرته ونضرته، {مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} فتاتًا متكسرًا، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ}.
قوله عز وجل: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ} وسعه لقبول الحق، {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} ليس كمن أقسى الله قلبه.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة، حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن يزيد الموصلي ببغداد، حدثنا أبو فروة واسمه يزيد بن محمد، حدثني أبي عن أبيه، حدثنا زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} قلنا: يا رسول الله كيف انشراح صدره؟
قال: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح» قلنا: يا رسول الله فما علامة ذلك؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت».
قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} قال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله عز وجل على قوم إلا نزع منهم الرحمة.


قوله عز وجل: {اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} يشبه بعضه بعضًا في الحسن، ويصدق بعضه بعضًا ليس فيه تناقض ولا اختلاف. {مَثَانِيَ} يثنى فيه ذكر الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والأخبار والأحكام، {تَقْشَعِر} تضطرب وتشمئز، {مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} والاقشعرار تغير في جلد الإنسان عند الوجل والخوف، وقيل: المراد من الجلود القلوب، أي: قلوب الذين يخشون ربهم، {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي: لذكر الله، أي: إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله، وإذا ذكرت آيات الرحمة لانت وسكنت قلوبهم، كما قال الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد- 28].
وحقيقة المعنى: أن قلوبهم تقشعر من الخوف، وتلين عند الرجاء.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد، حدثنا موسى بن محمد بن علي، حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أم كلثوم بنت العباس، عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها».
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا موسى بن إسحاق الأنصاري، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا الليث بن سعد، حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد بهذا الإسناد، وقال: «إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله حرمه الله على النار».
قال قتادة: هذا نعت أولياء الله نعتهم الله بأن تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما ذلك في أهل البدع، وهو من الشيطان.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، ثنا ابن شيبة، حدثنا حمدان بن داود، حدثنا سلمة بن شيبة، حدثنا خلف بن سلمة، حدثنا هشيم عن حصين عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، قال فقلت لها: إن ناسًا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيًا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وبه عن سليمان بن سلمة ثنا يحيى بن يحيى، حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنا ابن عمر: مر برجل من أهل العراق ساقطًا فقال: ما بال هذا؟ قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن أو سمع ذكر الله سقط، قال ابن عمر: إنا لنخشى الله وما نسقط!
وقال ابن عمر: إن الشيطان ليدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وذكر عن ابن سيرين: الذين يصرعون إذ قرئ عليهم القرآن؟ فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطًا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن رمى بنفسه فهو صادق.
{ذَلِكَ} يعني: أحسن الحديث، {هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8